Zum Inhalt springen

من الصحافة

«يوم الاثنين»

من "أعماله تراوح بين الروائي والتسجيلي ... تامر السعيد «المتمرد» على السائد ... ابداع بسينما مستقلة" - أمل الجمل

بطلا فيلم «يوم الاثنين» زوجان عاديان تم زواجهما عبر الصالونات، ليس عندهما مشاكل كبيرة ولا يُوجد بينهما حب ملتهب كما تزعم الأفلام. يمر الزوجان، يوم الإثنين، بحدث يبدو بسيطاً، لكنه يجعل يومهما له مذاق مختلف، يجعلهما يرتشفان المتعة ويعرفان السعادة الحقيقية للمرة الأولى. في ذلك اليوم يخوض كل منهما، في شكل متوازٍ تجربة جديدة يُحقق بها متعة لم يكن يتوقعها... يتميز الفيلم بوحدة الحدث الذي يمر به الاثنان، لكن كلاً منهما يستقبله بوجهة نظره الخاصة، بعينيه وبإحساسه الخاص. من هنا قرر المخرج كاتب السيناريو أن يقدم إلينا كلاً من الزوجين وهو يروي الحدث بأدق تفاصيله. فالزوج يحكي أنه كان يُريد الاستمتاع بإشعال البايب الذي طالما حلم بتدخينه، وأثناء ذلك كانت زوجته تحاول أن تصفّر. لا يدري لماذا لكنه لم يهتم؟ ثم تُعيد الزوجة سرد الحكاية برؤيتها فندرك أن صفير الأولاد في الشارع جاءها عبر الشباك فتذكرت قدرتها على التصفير في طفولتها وأخذت تستعيد تلك الخبرة، لقد حاولت أن تشرح السبب لزوجها لكنه كان مستغرقاً في إشعال الغليون.

الحكي عند البطلة يغلب عليه طابع الحميمية، فهي تبوح بأشياء خاصة عن نفسها وعن علاقتها بزوجها. تراه رجلاً طيباً، لكنه «رغاي» لا يستمع إليها. تُدرك أنهما لو اتحدا لأصبح حل الكلمات المتقاطعة أسهل، مع ذلك يتسابقان في حلها كل بمفرده. تعترف بأن زوجها لم يضايقها يوماً أثناء الحب، لكنها لا تشعر معه بالمتعة كما تصورها بطلات السينما. في الوقت نفسه تنفي عدم تحقق المتعة في شكل نهائي، لكنها تُؤكد أنها لم تصرخ يوماً. ربما لذلك تعتقد أن اليوم الذي يُصبح فيه الزواج من دون التزامات «قانونية» سيكون أفضل، فتُعيد إلى الأذهان قصص اغتصاب ملايين الرجال لزوجاتهم تحت مسمى «الحق الشرعي».

من تقاطع السرد نكتشف كيف كان كل منهما غارقاً في تجربته وعالمه الخاص، كيف تقدر المتع الصغيرة على جعل الانسان سعيداً، كيف يُمكننا أن نُحقق السعادة في الظروف والأجواء والأماكن نفسها التي نحيا فيها شرط أن نراها في شكل مختلف، وقبل ذلك أن نمنح أنفسنا الفرصة للتعامل معها في شكل مختلف... أن نُمسك بتلابيب اللحظات الصغيرة العذبة في الحياة فنعيشها ونمتصها كالصبار، ألا نتركها تتسرب من بين أيدينا لأنها زادنا في مواجهة قسوة الحاضر... يكشف لنا الفيلم أن القضية ليست في ما إذا كنا نحيا على ذيول المتعة أم لا، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في كيفية الاستمتاع بما نمتلك، في إدراك قيمة ما بين أيدينا وهو ما يتوافق مع مطلع أغنية «عشك يا بلبل دا جنة» لفريد الأطرش والتي وظفها المخرج بذكاء على مدار أحداث الفيلم فانتهت بانتهائه.

سرد بصري

أثناء مشاهدة فيلم «يوم الإثنين»، وبعدها تستغرق المرء حال من المتعة البصرية والسمعية والفكرية على المستويات كافة بدءاً من الصورة (الديجيتال)، بما فيها من كادرات وزوايا تصوير وإضاءة (إبراهيم البطوط)، ومن القدرة على الحكي بأسلوب بسيط خالٍ من التعقيد لكنه أسلوب جذاب وعميق، من توظيف أغنية لها دلالتها، ومن أداء خال من الافتعال لبطلي العمل حنان يوسف، وبطرس غالي، من أسلوب المونتاج وتثبيت الصورة بعض لحظات لمواصلة الحكي عن المشاعر.

السرد البصري من أصعب طرق الحكي، لكنه من أبلغها وأقواها تأثيراً، لأن ما تقوله العيون والإشارات الجسدية ما زالت ألفاظ اللغة تعجز عن التعبير عنه بدقة. فالحوار، لا يُمكن أن يكون في قوة الصورة نفسها. ربما لذلك السبب يكون الميل أكثر إلى السينما التي تعتمد على الصورة، إلى السينما التي لا تلجأ إلى الحوار إلا في أضيق الحدود، إلى السينما التي تستعين بالحوار لتستكمل تفصيلة يصعب أو ربما يستحيل سردها بصرياً. ومع هذا بعد مشاهدة فيلم تامر السعيد تكون لحظة توقف لتأمل أسلوبه السينمائي، ولإعادة الفكر في إمكان أن تُعادل أهمية الحوار أهمية الصورة السينمائية في بعض الأحيان.

في ذلك الفيلم إذا عزلنا المونولوغ السردي للممثلين بعيداً من الصورة ربما نشعر بأننا أمام عمل إذاعي تتزايد فيه مساحة الخيال، لكن الإحساس الأرجح أن هذا المونولوغ الذي كتبه تامر السعيد ليس إلا قصة قصيرة تتنافس بقوة مع قصص رائد القصة القصيرة في مصر والعالم العربي الراحل يوسف إدريس. المُدهش في فيلم «يوم الإثنين» أن الصوت والصورة كانا عنصرين رئيسين فلم يطغ أي منهما على الآخر في نسيج الفيلم. إن الصورة السينمائية، على رغم اكتمال المونولوغ السردي، لم تُحدّ من خيال المتفرج، لكنها بجمالياتها المتنوعة جعلت السرد أكثر ثراءً وأرحب خيالاً.

Nach oben